بينما كانت مليشيا الحوثي الإرهابية تنفق مئات الملايين من الريالات على الاحتفالات الصاخبة بالمولد النبوي، كانت شوارع صنعاء وأزقتها تكشف وجهًا آخر أكثر قسوة، (أطفال جائعون، آباء مكسورون، وأسر كاملة تبحث عن لقمة تسد رمقها).
أحد النشطاء المقيمين في العاصمة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، دوّن مشاهد صادمة من واقع يومياته، ليضعنا أمام صورة دامية عن الحال الذي وصل إليه المواطن اليمني في مناطق الجماعة المسلحة. في الأسبوع الماضي، دخل شاب يافع إلى منزله أثناء غيابه، ووجد الباب مفتوحًا وأسطوانة غاز أمامه فأخذها وهرب. عندما أمسك به أحد الجيران واتصل بصاحب المنزل، لم يجد الشاب سوى الدموع ليبرر فعلته: "أطفالي جائعون.. الجوع هو ما أخرجني للسرقة".
الناشط، الذي تبين أن الشاب من عائلة معروفة ومحترمة، تدخّل وطلب إطلاق سراحه قائلاً لجاره: "صوّره ودعه يذهب، فهو وجد الباب مفتوحًا والأسطوانة أمامه، ولم تكن في حرز". لم يكن هذا الشاب لصًا بقدر ما كان ضحية الجوع والفاقة التي تعصف بالمدينة.
وفي نفس اليوم، وفي ميدان التحرير، أوقف رجل سبعيني نحيل الجسم تبدو على وجهه آثار السنين، الناشط مستعطفًا إياه: "أعطني صدقة حتى 100 ريال". ثم أضاف بصوت مكسور: "لست شحاتًا يا ولدي، أنا عقيد متقاعد كنت في القوات الجوية". تبين أن الرجل من عائلة معروفة ومحترمة، ممن لو أخبر أحد قبل سنوات أنه سيجدهم يتسولون في الشوارع لما صدق.
مآسٍ لا تنتهي
المشاهد المؤلمة لا تتوقف عند هذا الحد. أحد الأصدقاء السابقين للناشط، الذي كان يملك متجرًا صغيرًا في إحدى الحارات، ظهر بحالة يرثى لها: لحية طويلة مهملة، شعر أشعث، وثياب رثة غير نظيفة، وحزن يملأ ملامحه. اضطر لبيع متجره بسبب الركود الاقتصادي وأكل ثمنه، والآن يخرج كل صباح هائمًا على وجهه علّه يجد من يجود عليه بأي شيء.
وفي الليل، وصلت رسالة من أحد الزملاء السابقين يحلف فيها يمينًا أنه لا يملك قيمة تعبئة أسطوانة غاز لبيته، وأنه وأسرته ناموا بدون غداء. رسائل الاستغاثة هذه باتت مشهدًا يوميًا في مدينة كانت عزيزة على أهلها.
الصورة أكبر من مجرد حالات فردية، فالمدينة بأكملها تختنق تحت وطأة أزمة شاملة: لا خدمات، لا مياه، لا مجاري، لا كهرباء. شركة الاتصالات تسرق أموال المشتركين، الطرق مليئة بالمطبات والحفر، الأدوية وقطع الغيار والمواد الغذائية مغشوشة. حركة البيع والشراء متوقفة إلا في الضروريات، والمرتبات مقطوعة منذ سنوات.
النصابون والمحتالون يتربصون بالناس في كل مكان، حتى عندما تشتري كيلو رمان أو عنب تصل البيت فتجد الكيس غير الكيس الذي اشتريته. شركات عقارية باعت الشقق لأكثر من شخص وهربت بأموال الناس، صرافون أفلسوا أو هربوا بأموال المودعين، وشركات استثمارية كبيرة أكلت أموال الناس ومنها أشخاص هاربون في دول الخارج، بينما المحتجزة أموالهم من قبل السلطات لا أحد يعلم متى ستعود للمنهوبين.
حتى أحلام الهجرة باتت مستحيلة، فلا تقبلك أي سفارة أو دولة إلا الدول الفقيرة والنامية، وفوق هذا تنصب عليك مكاتب السفر وتبيع لك الوهم.
احتفالات باهظة وسط الجوع
في مقابل هذا الواقع المرير، تواصل مليشيا الحوثي الإرهابية إنفاق الملايين على الاحتفالات الصاخبة والأضواء الباهرة واليافطات الضخمة في ذكرى المولد النبوي، متجاهلة جوع الناس وأنينهم وصرخات الاستغاثة التي تتعالى من كل بيت. أموال طائلة تُهدر على المظاهر الاحتفالية بينما الشعب يموت بصمت.
التناقض صارخ ومؤلم، مئات الملايين تُنفق على الزينة والأناشيد، فيما المواطنون لا يجدون ثمن أسطوانة غاز أو وجبة طعام لأطفالهم. شعب كامل يعيش أسوأ أيامه، بينما من يحكمونه يتباهون بالأضواء الملونة واحتفالات لا تسمن ولا تغني من جوع.
الناشط ختم شهادته المؤلمة بصرخة تختصر حجم اليأس والانهيار الذي وصل إليه الوضع: "ما عاد للشعب هذا إلا قنبلة نووية تخلصه مما هو فيه".
هكذا تبدو صنعاء اليوم، مدينة يلتهمها الجوع والفقر والخذلان، بينما حكامها يحتفلون بأموال شعبها الجائع.
لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا
لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا